من وحي عيد الأضحى المبارك من وحي عيد الأضحى المبارك
اليوم عيد الأضحى المبارك، في هذا اليوم نتطلع إلى حجاج بيت الله الحرام بعد أن قضوا الشطر الأكبر من حجهم، نتطلع إليهم وهم ينطلقون في "منى" لرجم الشيطان... الشيطان الذي يريد أن يقترب من إيمانهم ليحوله إلى كفر، ومن هواهم ليحوله إلى ضلال، ومن إستقامتهم ليحولها إلى إنحراف... الشيطان الذي يعمل بكل قوته وطاقته من أجل أن يصرف الإنسان عن الله وعبادته وطاعته.
لهذا الرمز، أراد الله تعالى للمؤمنين أن يرجموه، ثمّ يتقربون بعد ذلك إلى الله، ليضحّوا بين يديه، وليقدموا هذا القربان الذي يرمز إلى قربان النبي إبراهيم (ع) وهو يتوجه إلى ولده إسماعيل (ع): ( يا بني... إني أرى في المنام أني أذبحك، فانظر ماذا ترى...) وكانت الرؤيا بمثابة الوحي للأنبياء (ع)... قال: يا بني إنّ الله تعالى يأمرني أن أذبحك، فما هو رأيك؟... وجاء الجواب من الولد البارّ المؤمن: (يا أبتِ افعل ما تؤمر، ستجدين إن شاء الله من الصابرين) (فلما أسلما) أسلم الأب قلبه وإيمانه وعاطفته لله تعالى... وأسلم الإبن – وهو في ريعان الشباب – أمره لله تعالى، وسحق – من أجل ذلك – كل حبه للحياة وتطلعاتها... مادام الله قد أمر فليست هناك مشكلة في أن يقدم قرباناً لله...
فلما أسلم الأب أمره لله، ووقف بين يديه، يشهده على نفسه: إنّه تعالى أعزّ عليه من ولده. ووقف الإبن يشهد الله على نفسه، إنّه تعالى أعزّ عليه من نفسه... (فلما أسلما وتلّه للجبين) صراع إبراهيم (ع) ولده إسماعيل (ع) على جبين، وهنا تمت الرؤيا، لم ير في المنام أنّه ذبح، وإنما رأى أنّه يعدّ لذبحه (وناديناه أن يا إبراهيم قد صدّقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين، إنّ هذا لهو البلاء المبين). هذا هو الإمتحان الكبير الواضح الذي يقف فيه الإنسان ليقدم ولده قرباناً لله تعالى، لأنّ الله يأمره بذلك، ويقدم نفسه قرباناً لله تعالى لأنّ الله يأمره بذلك... وماذا كانت النتيجة؟.. (وفديناه بذبح عظيم)... وفداه الله تعالى بكبش ذبحه إبراهيم (ع)، وتخليداً لهذه التضحية النادرة جعلها الله من واجبات الحج... الحجاج ينطلقون هناك قريباً من المكان الذي تعرض فيه إبراهيم للتجربة، ليقدموا هذا القربان، ويقولوا: يا رب.. إنك قبلت بالقربان هناك ليكون فداءً لإسماعيل (ع) ونحن نقدم لك هذا القربان لنشهدك ونعاهدك على أن نعود لبلادنا لنقدم هناك النفس والمال والولد وكل ما نملك قرابين لك ما دمت تريد ذلك.
في هذا الجو كان عيد الأضحى، العيد الذي يمثل الرمز للتضحية وطاعة الله وعبادته، والرمز للإنفتاح على الله، والذوبان في دين الله... ومن خلال ذلك نعتبر أنّ العيد رمز للإمتثال لأمر الله، فكل يوم لا يُعصى فيه الله... العيد الأكبر في الإسلام هو أن تعبد الله وتطيعه، لا أن تنظف جسدك وثيابك – وهذا جيِّد -، بل أن تنظف قلبك حتى لا تترك فيه حقداً على إنسان، وتنظف روحك حتى لا تنطلق إلا بالخير لكل الناس، وتنظف مواقفك حتى لا تتحرك إلا بما ينفع الناس، وتنظف طاقاتك حتى لا تسخَّر للإضرار بعباد الله، ولا تتحرك في أي موقع إلا إذا علمت أن ذلك يرضي الله.
[b][u]