اختار الله امرأتين من بين نساء العالمين لتكون زوجتين صالحتين، واحدة لرجل كافر وهي سيدتنا "آسية" والثانية لخير البشر وهي سيدتنا "خديجة بنت خويلد". استحقتا بيوتا في الجنة حيث بشر الله أمنا خديجة ببيت في الجنة وامرأة فرعون التي هي مضرب المثل في الإيمان قال الله تعالى : "وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين" التحريم، الآية11.
فكيف وصلت سيدتنا خديجة إلى القمة وأصبحت من سيدات نساء العالمين؟



أمنا خديجة رضي الله عنها

اشترط الله سبحانه وتعالى السكن والمودة والرحمة بين الأزواج، ليكون بيت الزوجية مشيدا على أسس متينة تضمن لهما السعادة في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى : "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون" الروم، الآية21.
ولقد كانت سيدتنا خديجة مثال الزوجة الصالحة، المحبة لزوجها والمتفانية في خدمته وتوفير الراحة له، فنالت بذلك تقديرا وحبا من رسول الله وسلاما من جبريل، فقد أحسنت التعامل مع زوجها والمقربين إليه والمسلمين أجمعين.



كيف تعاملت أمنا خديجة مع زوجها صلى الله عليه وسلم ؟

أحبت أمنا خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا كبيرا جعل أسرتهما تعيش حياة سعيدة، تحب ما يحبه، لا تضيق ذرعا بالخلوات التي تبعده عنها أحيانا إنما كانت تحوطه بالرعاية والهدوء والأمان، وترسل من يحرسه من بعيد دون أن يقتحم عليه خلواته.

وقد أثبتت سيدتنا خديجة عند حدوث الجلل الأعظم في الكون وهو نزول الوحي أنها سيدة نساء العالمين، حيث صدقت رسول الله وهدأت من روعه وثبته وآزرته. روى الإمام البخاري رحمه الله عن عائشة أم المومنين رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، يتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع (يرجع) إلى أهله، ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ، فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم...".

فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة فقال "زملوني زملوني" فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر "لقد خشيت على نفسي" فقالت خديجة كلمات عظيمة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".
ذكرته بمكارم الأخلاق التي يتصف بها والتي تجعل منه أكفأ الناس لتحمل أعباء الرسالة الربانية، كلمات من زوجة حكيمة وعاقلة أدخلت الأمن والطمأنينة في قلب زوجها وشدت بها أزره.

تخلت أمنا خديجة عن الحياة المترفة والمنعمة لتقف إلى جانب زوجها في أوقات عصيبة تحملت فيها أفدح ألوان الأذى والاضطهاد، فقد كانت تشجع رسول الله وتخفف عنه، بفضل فطنتها وحكمتها عرفت أن حياتها الزوجية ارتقت إلى حياة رسالة ورسول، فتهيأت لهذا وهيأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظروفا مناسبة لعبادة ربه، وخدمته بجسدها وعقلها وروحها، فكانت أول من آمن به وصدقه.
وأنجبت لرسول الله الذرية الصالحة، وأدخلت بذلك الفرحة على قلبه الذي أصبح له خلَف يحبه وتُبسَط أساريره بالقرب منه. ووفرت لهاته العائلة حياة هادئة وكريمة، فخرج من هذا البيت امرأة أضحت فيما بعد سيدة نساء العالمين في زمانها سيدتنا فاطمة الزهراء التي تعلمت الإيمان بالله ورسوله من أمها، ونشأت هي وأخواتها على عبادة الله وكن من السابقات إلى الإسلام، فإسلامهن يرجع إلى أب خصه الله بشرف الرسالة، وأم أحبت الله ورسوله فعلمته أولادها.


كيف تعاملت أمنا مع أحباء رسول الله؟

عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إني رزقت حبها" يعني خديجة، فقد أحبها رسول الله لأنها كانت تحب ما يحبه، فهذه حليمة السعدية مرضعة رسول الله تعطف عليها أمنا خديجة، وتهبها أربعين رأسا من الغنم وبعيرا يحمل الماء، وزودتها بما تحتاجه عندما لاحظت الطاهرة أن رسول الله يحب حليمة ويحنو عليها.
تعلق سيدنا رسول الله بزيد بن حارثة وأحبه حبا كبيرا، فأحست سيدتنا خديجة بهذا الحب المتبادل بين زيد ورسول الله، فوهبته له حيث أعتقه ونسبه إلى نفسه وعاش في بيت واحد مع الأسرة المحمدية، وانضم كذلك إلى البيت النبوي أحد أبطال الإسلام، سيدنا علي بن أبي طالب.

عاش هذان البطلان تحت رعاية خديجة وتشربا منها الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله حتى النصر لدين الله، فكانا أول من أسلم وأقام الصلاة بعد أمنا خديجة.
أحبت سيدتنا خديجة حاضنة رسول الله أم أيمن الحبشية وأحبت كل من أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
زوجة جادت بمالها إرضاء لزوجها محمد صلى الله عليه وسلم.


أحبت أمنا خديجة أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: "لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى ماتت" تكريم رسول الله لخديجة ووفاؤه لذكراها نابع من حبها له ولدين الإسلام وللمسلمين، فقد كان لخديجة موقف عظيم عند نزول الوحي، حيث زرعت الثقة والأمان في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطت بذلك دعما معنويا لدين الإسلام.
كلمات نورانية سجلها المسلمون لأمنا خديجة، فقد كانت الدرع الواقي لرسول الله ولدعوته من أعداء الدين، وأصبحت وزيرة صدق على الإسلام فهي أول خلق الله إسلاما، ومن بيتها خرج أسبق السابقين إلى الإسلام وتكونت نواة الأمة الإسلامية.

قدمت كذلك دعما ماديا للدعوة، حيث ضحت بأموالها وراحتها لإعلاء كلمة الله وللتأليف بين المسلمين، واحتفظت بالقليل لأسرتها. وفي رواية للإمام أحمد يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آمنت بي خديجة إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس".
وفقت أم المؤمنين في أن تفوز بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مودة ورحمة متبادلة بين زوجين نشأ عنهما استقرار في البيت بل في المجتمع الإسلامي، فكان الجزاء سلام من الله وبيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب، روى الإمام البخاري رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :"أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم وهو بغار حراء فقال يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام أوشراب فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومني وبشرها ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب".

المقال من كتابة:

ذة. كريمة هبولي، 2007-07-08 .